المعالجة الإشعاعية للأورام
ما هي المعالجة الإشعاعية؟
المعالجة الإشعاعية شكل من أشكال المعالجة الموضعية للسرطان، تستخدم فيها أشكال متعددة من الإشعاعات المعروفة بقدرتها على إحداث أذية مميتة في الخلايا الحية إذا تمتعت ببعض الصفات الخاصة وأعطيت بكمية كافية.
فالإشعاعات هي عبارة عن طاقة (على شكل أمواج أو محمولة على جسيمات متناهية في الصغر) وهي تنقل جزءاً من طاقتها عند عبورها لوسط مادي ما. المبدأ الأساسي الذي تعتمد عليه هذه المعالجة هو أن طاقة الأشعة المودعة في النسيج الحي تؤدي إلى حدوث بعض التغيرات الحيوية على مستوى الجينات أو بعض مكونات الخلية الأخرى، تؤدي إلى توقف نمو الخلايا وانقسامها، وبالتالي موت الورم وانكماشه.
تشير الإحصاءات العالمية إلى أن حوالي 40 – 70 % من المرضى المصابين بالسرطان تعطى لهم المعالجة الإشعاعية كجزء أساسي من تدبيرهم العلاجي، حيث تتميز بفعاليتها العلاجية مع الحفاظ على وظيفة العضو المصاب، ومعظم المرضى يتحملون هذه المعالجة بشكل جيد وآثارها الجانبية نسبياً قليلة، وخاصة بعد توفر التقنيات الحديثة التي تسمح بحماية الأعضاء السليمة من التعرض الإشعاعي غير اللازم.
ما هي أهداف المعالجة الإشعاعية؟
نلجأ للمعالجة الإشعاعية عند مرضى السرطان لتحقيق أحد الأغراض العلاجية التالية: أولها, إن كان بالإمكان، القضاء على الورم والسيطرة على نموه والوصول إلى الشفاء التام، وهذا ممكن التحقيق في بعض الأورام التي تتأثر بشكل جيد بهذه المعالجة، وكانت في مراحلها المبكرة .
والهدف الثاني الذي تعطى من أجله المعالجة الإشعاعية هو التخلص من الخلايا الورمية التي من المحتمل بقاؤها بعد إجراء الاستئصال الجراحي للورم، وهذا يقلل من نسبة عودة الورم في المستقبل ونموه من جديد.
أما الهدف الثالث المهم، في الحالات المتقدمة من الأورام والتي يقل أمل شفائها وتتطور لدى المريض انتقالات ورمية متعددة في أعضاء الجسم المختلفة وما تسببه هذه الانتقالات من أعراض مزعجة تؤثر سلباً على نوعية حياته، فتعطى المعالجة الإشعاعية بهدف تلطيف وإنقاص شدة هذه الأعراض مثل تسكين الألم أو إيقاف النزف أو تحسين الحالة الطبية والحركية للمريض.
والجدير ذكره أنه يمكننا مشاركة المعالجة الإشعاعية مع البدائل العلاجية الأخرى كالعلاج الكيميائي والهرموني حيث تتضافر القدرة العلاجية لهذه الأورام لنحصل على نتائج علاجية أفضل.
ما هي أنواع الإشعاعات المستخدمة في المعالجة الإشعاعية والأجهزة التي تولدها؟
اكتشفت الإشعاعات والمواد المشعة وعرف أثرها على المادة الحية منذ أكثر من قرن، وقد دأب العلماء منذ ذلك الوقت وحتى الآن على البحث عن أفضل الطرق لاستخدامها في معالجة السرطان، وقد ساهمت التطورات التقنية في أجهزة المعالجة والفهم الأفضل لأثر الإشعاعات على المادة الحية في جعل المعالجة الإشعاعية من الخيارات الأساسية في معالجة الأورام السرطانية.
الإشعاعات المستخدمة في هذا النوع من المعالجة يمكن أن تصدرها بشكل تلقائي بعض المواد المشعة الموجودة في الطبيعة، حيث تحضر منابع مشعة تحوي هذه المواد وتوضع في أجهزة تسمح بالتحكم بحزم الإشعاعات الصادرة وتوجيهها لجسم المريض.. أهمها جهاز المعالجة بالكوبالت وهو جهاز يحتوي على منبع إشعاعي مكون من العنصر المشع ( الكوبالت – 60 ) تصدر عنه أشعة غاما تستخدم في المعالجة الإشعاعية من خارج الجسم، وجهاز المعالجة الإشعاعية ضمن الأجواف الذي يحتوي على العنصر المشع ( السيزيوم -37 ) كمنبع إشعاعي.
أو يمكن توليد هذه الإشعاعات بواسطة أجهزة خاصة، وهي الأكثر استخداماً في الممارسة الطبية الروتينية، لأنها تتيح توليد إشعاعات بطاقات مختلفة تمكننا من معالجة الأشكال المختلفة من الأورام.. وأهم هذه الأجهزة في الوقت الحالي جهاز المسرع الخطي، ويستخدم لتوليد الأشعة السينية وأشعة الإلكترونات بطاقات مختلفة. وسمي بهذا الاسم لأن آلية عمله تقوم على توليد حزمة من الإلكترونات يتم تسريعها في مسار مستقيم, هذه الحزمة يمكن أن توجه إلى جسم المريض مباشرة بعد تشكيلها وتركيزها لمعالجته, أو تستخدم لتوليد أشعة سينية عالية الطاقة حيث توجه لتصدم هدف معدني ( مكون عادة من معدن التنغستين ) ويتولد نتيجة هذا الاصطدام أشعة سينية يمكن تشكيلها وتوجيهها إلى جسم المريض.. وقد زودت هذه الأجهزة بمكونات تسمح بتركيز حزم الأشعة في مكان الورم الذي نريد معالجته.
ما هي أنواع المعالجة الإشعاعية ؟
يمكن التمييز بين عدة أنواع للمعالجة الإشعاعية:
ـ المعالجة الإشعاعية الخارجية: وهي معالجة تتم بتوجيه الأشعة الصادرة عن جهاز المعالجة من مسافة تبعد حوالي 80 ـ 100 سم عن جسم المريض.
ـ المعالجة الإشعاعية القريبة: وهي معالجة إشعاعية تستخدم فيها النظائر المشعة المغلقة حيث يوضع المنبع الإشعاعي قريباً جداً من الهدف لضمان حصوله على جرعة إشعاعية عالية مع الحفاظ ما أمكن على النسج السليمة.
كيف يتم تطبيق المعالجة الإشعاعية؟
تبدأ إجراءات المعالجة الإشعاعية باستشارة الطبيب الأخصائي في هذا المجال، الذي يقوم بدراسة حالة المريض ومراجعة ملفه الطبي الذي يشمل نوع الورم ومدى انتشاره وأشكال المعالجة المقدمة سابقاً وتقييم أداء المريض العام، وبعد التأكد من جدوى هذه المعالجة يوضع الاستطباب الطبي ويحدد هدف المعالجة، بعد ذلك يشرح للمريض وذويه الفائدة المرجوة من هذه المعالجة والآثار الجانبية المحتملة، ومن الضروري إيضاح جميع الخطوات التالية التي سيتم ترتيبها قبل البدء بجلسات المعالجة، مع شرح موجز عن خطة المعالجة وطريقتها ومدتها.
الخطوة التالية هي تحديد حجم الهدف المراد علاجه، ويتم ذلك بالاستعانة بأجهزة خاصة هي أجهزة المحاكاة، وهي أجهزة تصوير إشعاعي عادية أو مقطعية لها مواصفات خاصة وأبعاد وقدرة حركة مشابهة لأجهزة المعالجة الإشعاعية، وتؤخذ بعين الاعتبار معطيات الفحص السريري للمريض ونتائج الفحوص الطبية الأخرى كالتصوير الطبي بمختلف أشكاله والتنظير الداخلي.
يلي ذلك تحديد طريقة إعطاء الأشعة من أجل ضمان إيصال الجرعة الإشعاعية المرغوبة في الهدف المحدد ( الورم أو المنطقة التي كان فيها قبل الاستئصال الجراحي ) وحماية أعضاء الجسم المجاورة.
وفي أغلب الأحيان يتم توجيه الأشعة إلى جسم المريض من اتجاهات متعددة، ثم توضع علامات على جسم المريض تحدد حقول المعالجة من أجل إعطاء الجلسات الإشعاعية في نفس المكان بالضبط يومياً. ويمكن أحياناً استخدام بعض وسائل التثبيت الخاصة وخاصة في معالجة أورام الرأس والعنق (مثل الأقنعة البلاستيكية).
بعد هذه الدراسة الأولية التي تتم بإشراف الطبيب يقوم فيزيائي متخصص بحساب المعطيات الخاصة بعملية التشعيع (طاقة الأشعة اللازمة، زمن التشعيع..) ثم تقيم هذه الخطة من قبل الطبيب قبل بدء جلسات المعالجة الفعلية.
بشكل عام تُجزأ الجرعة الإشعاعية الخاصة لمعالجة المريض على جرعات صغيرة تعطى بشكل يومي وهذا يساعد على التخفيف من الآثار الجانبية لهذه المعالجة. حيث أن الخلايا السليمة في الجسم والتي تتعرض لأذية إشعاعية قادرة على ترميم وإصلاح الخلل فيها خلال ساعات قليلة بعكس الخلايا الورمية التي تخفق في هذا.
خلال جلسات المعالجة تتم متابعة المريض بشكل أسبوعي لمراقبة الآثار الجانبية المحتمل حدوثها ومعالجتها، وتجرى فحوص دموية لمراقبة مكونات الدم.
ما هي مدة جلسة الأشعة وهل العلاج الإشعاعي مؤلم؟
تستغرق جلسة المعالجة الفعلية عدة دقائق لا يشعر المريض خلالها بأي ألم أو انزعاج ويغادر بعدها إلى منزله، ويوصى عادة بالعناية الجلدية لأماكن التعرض للأشعة مثل تجنب استعمال الصابون والمستحضرات المعطرة وعدم التعرض للشمس المباشرة، ولا يمنع من الاستحمام، ويوصى بارتداء الألبسة القطنية الواسعة التي تسمح بتهوية الجلد، وينصح إذا تعرضت منطقة الفم للأشعة باستعمال الغسول الفموية المطهرة الخالية من الكحول، وينصح بإيقاف التدخين وعدم شرب الكحول.
هل يؤثر العلاج الإشعاعي على المحيطين بالمريض؟
جسم المريض بعد تلقيه جلسة المعالجة الإشعاعية لا يصبح مشعاً كما هو الاعتقاد السائد عن بعض الأشخاص، حيث يمكنه الاختلاط مع بقية أفراد أسرته دون خوف أو محاذير.
وهذا الخوف يعود إلى أن بعض الحالات المرضية يتم علاجها بمواد مشعة تحقن إلى جسم الإنسان مباشرة، وبالتالي يصبح جسم المريض (جسماً مشعاً) يجب الابتعاد عنه.. وهي حالة علاجية تختلف كلياً عن المعالجة الإشعاعية الخارجية.
ما هي الآثار الجانبية للمعالجة الإشعاعية؟
من المعروف أن أي تداخل طبي علاجي قد ينتج عنه بعض الآثار الجانبية، والمعالجة الإشعاعية ليست استثناء من هذا، فالأجزاء السليمة من الأعضاء المصابة بالورم الذي نطمح لعلاجه بالجرعة الإشعاعية الفعالة المناسبة أو المجاورة له قد تتعرض لجرعات إشعاعية لا يمكن تلافيها مما يسبب حدوث هذه الآثار.. وهي تتعلق بشكل عام بموقع المعالجة وكمية الجرعة الإشعاعية المعطاة.
بشكل عام تصنف هذه الآثار إلى آثار حادة أو مبكرة وآثار متأخرة، الآثار الحادة أو المبكرة وهي التي تحدث أثناء المعالجة أو بعدها بوقت قصير وتزول بعد انتهاء المعالجة. وأهمها: الشعور بالتعب العام، حدوث تغيرات في الجلد على شكل احمرار واحتقان وسقوط الأشعار في أماكن دخول الحزم الإشعاعية.. المعالجة على منطقة الصدر قد تسبب حدوث التهاب رئة شعاعي يترافق بحمى وسعال وضيق تنفس.. وعلى منطقة الفم فقد حس الذوق، مع نقص في إفراز اللعاب، التهاب الغشاء المخاطي للفم.
أما الآثار المتأخرة تتعلق بالأعضاء الذي تتعرض للأشعة، وتنتج غالباً عن تعرض النسج السليمة لجرعات أعلى من حدود تحملها.. مثل: ضمور جلدي، توسع الأوعية الشعرية، تكثف الجسم البلوري في العين وجفاف العين، حدوث قصور درقي وفقدان وظيفة الغدد اللعابية عند تشعيع الفم والعنق.
بشكل عام تختلف درجة شدة هذه الآثار بين مريض لآخر رغم تعرضهم لنفس البروتوكول العلاجي، ويمكن التقليل من حدوثها باستخدام بالدراسة المتأنية للخطط العلاجية واستخدام تقنيات التشعيع الحديثة التي توفرها أجهزة المعالجة الحديثة.
ما هي الأورام التي تعالج بالأشعة؟
تستخدم المعالجة الإشعاعية لعلاج طيف واسع من الأورام الخبيثة، إما وحدها أو بالمشاركة مع الخيارات العلاجية الأخرى. وأهم هذه الأورام: أورام الدماغ، أورام الرأس والعنق ( وخاصة أورام البلعوم الأنفي والحنجرة )، أورام الثدي ( تشعيع الثدي بعد الاستئصال الجزئي أو تشعيع جدار الصدر بعد الاستئصال التام )، أورام الرئة، أورام الجهاز الهضمي ( وخاصة أورام المري والمعدة والمستقيم )، أورام الجهاز التناسلي الأنثوي ( خاصة عنق الرحم والرحم )، أورام المثانة والبروستات وأورام أخرى متعددة.
الدكتور بسام سليمان سعد
ـ أستاذ مساعد في قسم الأورام / كلية الطب البشري / جامعة تشرين باللاذقية.
ـ دكتوراه واختصاص في الطب النووي ـ الأكاديمية الطبية ـ ماكديبورغ ـ ألمانيا.
ـ رئيس قسم الطب النووي في مستشفى الملك فهد المركزي بجيزان ـ السعودية 1998 ـ 2002
ـ رئيس قسم الأورام في كلية الطب البشري ـ جامعة تشرين 2002 ـ 2006 / 2010 ـ 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق